الجندرة والنسويات وأثرها في ضياع النسب من الغرب زحفا إلى الشرق
النسوية: هي رؤية تحمل في طيَّاتها الكثير من التناقضات. رؤية “النوع” التي تلغي الفوارق بين الذكورة والأنوثة وتردها فقط للموروث الثقافي، ثم تنطلق لتجعل المرجعية هي التمركز حول الأنثى، وتزعم أن الأنثى تَمْلِك “قيم الرعاية” في حين يُزَكِّي الرجل قيم الصراع، وتَعِدُ بأن يصبح العالم أكثر سلامًا إذا تولت النساء مقاليد القيادة.
فهي ضد الأسرة (والذي يهمنا في هذا المقام هو معاداة هذه النسوية “النوعية” للأسرة؛ لأنها تريد بأي ثمن سيطرة وهيمنة النساء في المجال العام، وبالتالي تراكمت على يديها الكتابات والدراسات التي تحتقر الأمومة وتهاجم الأسرة ولا ترى الرجل إلا باطشًا ومستبدًّا.. فالخارج وليس الداخل هو ما يهمها، وكل ما هو أسري فهو أبوي سلطوي ظالم يقهر المرأة.
والميزة التي يتمتع بها تاريخيًّا مجتمعنا العربي والإسلامي أنه متمسكٌ بتعاليم دينه وأعرافه العربية الرصينة، فما أضرت به هذه البضاعة الفاسدة، بل أنه في العقود الأولى كان له دور المؤثر بالغرب وليس العكس، كما هو حال كثير من المسلمين اليوم فقد تجد من يروج لفكر النسويات التي فحواها، كما عبرت النسوية عن أطروحاتها بكلمات مثل الجندر Gender بدلا من رجل و امراة، وعن الشريك بدلا من الزوج، فهناك فارق بين إنصاف المرأة والدفاع عن حقوقها وبين النزعة الأنثوية Feminism التي تبلورت في الغرب، فأقصى ما طمحت إليه حركات تحرير المرأة، هو: إنصاف المرأة من الغبن والظلم الاجتماعي والتاريخي الذي عانت منه، مع الحفاظ على فطرة التميز بين الرجل والمرأة وتمايز الأدوار الاجتماعية بينهما خاصة في حيز الأسرة والمجتمع على النحو الذي يحقق المساواة بينهما باعتبارهما شقين متكاملين متعاونيين متآلفين لا صراع بينهما ولا حرب…
لكن النسوية العربية -التي تلْقَى الآن دعمًا مطلقًا من الأنظمة- لا تتعلم، وتكرر مقولات النسوية الغربية البالية من الستينيات والسبعينيات والتي تم تجاوزها إلى أفكار أكثر تبلورًا ورصانة على أيدي الكثيرين.. ولعل أبرز مثالين هما: “بيتي فريدان” و”جيرمين جرير”.. الأولى رائدة تحرير المرأة في أمريكا في الستينيات، والثانية نظيرتها في إنجلترا، وبعد ثلاثة عقود من السعي والكتابة أصدرت كل منهما كتابًا في عام 1999م يعيد هيكلة الأفكار.
فترى “بيتي فريدان”: أن ضرب الأسرة كان الخطيئة الكبرى، وأن النظام الاقتصادي يجب أن يتيح خيارات مثل العمل نصف الوقت؛ كي تتمكن المرأة من رعاية بيتها والمشاركة في المجال الاقتصادي والعام في آنٍ واحد/ مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد: (١٦٤ الجزء الثاني) يوليو لسنة ٢٠١٥م.
وهناك من تنبه لهذا الخطر المحدق بأبناء الأمة قديماً وتكلّم به مثل ابن القيم رحمه االله: الذي قد وضح ذلك وبينه بقوله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا…).
هذا حال الوسط الاجتماعي الذي يصدر لنا الانحطاط الاخلاقيّ الممنهج عن طريق بث الفكر المنحرف الذي يستهدف المرأة التي تعد نواة بناء الأسرة المسلمة في المجتمع الإسلامي، من هنا كان الواجب المحتّم على كل من يحمل ضمير الأمة في قلبه أن يتنبه لخطر هذا الغزو الفكري الذي لا يقل خطرا عن الغزو العسكري بل هو أعظم منه، وهوما نبّهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث روي عن أبي سعيد رضيَ الله عنه أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قالَ:
“لَتَتَّبِعُنَ سَنَنَ مَن كان قبلَكم شِبراً بشِبْرٍ، وذِراعاً بذراعٍ، حتى لو سلَكُوا جُحْر ضبٍّ لَسَلَكْتُموهُ”. قلْنا: يا رسولَ اللهِ! اليهودَ والنَّصارى؟ قالَ: “فمن”!. صحيح الإمام البخاري (2/ 444).
ومما نراه اليوم في الداخل السوري بعد أن دخلت المنظمات النسوية أو ما يسمى بتمكين المرأة التي تدعو المرأة للتحلل من دينها القويم، وأعراف مجتمعها المحافظ السليم، باسم التحضر والحرية الشاذة، التي ما إن وجدت ضلت وأضلت، فهي تدعو المرأة للتنكر لأصل خلقتها ودورها ببناء الأسرة والمحافظة على مكانتها التي كرمها الله بها فهي تشكل نصف المجتمع و تربي النصف الآخر هكذا أرادها الإسلام…
فتجد من رضخت لهذه العناوين البراقة-تحرير المرأة – فخلعت حجابها وخالفت زوجها وتعرت من تربية أبنائها حتى طُلقت من بعلها بل وتباهت من التخلص من هذا البيت الرحيم، باسم هذا التحرر… وقد سجلت هذه الحالات ولاحظتها عيانا …ونسأل الله السلامة للباقين….
وبهذا يتبين لنا أن النسوية وما يسمى بتمكين المرأة هو باب كبير وعظيم للانحلال الأخلاقي وفتح لباب الفواحش بل والتباهي بها بحجة التساوي مع الجنس الأخر في تنفيذ الرغبات المحرمة، وبطرق غير شرعية مما يؤدي لضياع الأنساب ووجود أولاد غير شرعيين لا تعرف هويتهم ولا ينتمون لأسر يحيون بها حياة كريمة على حرية العلاقات الجنسية المحرمة وتبريرها بالحريات الشخصية- بل واعتبارها من حقوق المرأة الأساسية-، وإلغاء الأسرة التقليدية واستبدالها باللانمطية أو المتعددة الأسر … وغيرها مما تدعو إليه مقررات تلك المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة، كمؤتمرات الإسكان، ومؤتمرات التعليم العالي، والاتفاقيات الدولية الخاصة لحماية حقوق الإنسان، وإزالة كافة أشكال التميز ضد المرأة وغيرها من المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة التي تسعى إلى دمار المرأة المسلمة، والبيت المسلم، والتي مازالت تتوالى مؤتمراتها جاهدة لتحقيق ذلك المخطط المصري ١٤٣١هـ.
ومن أسوء الرواسب التي نتجت عن هذا الفكر المنحرف من الأفكار النسوية والتفكك الأسري والطلاق ظهر في سبعينات القرن الماضي ويسعى الغرب لنشره حول العالم والذي من أهم نتائجه ضياع الأنساب في الغرب الذي كان نتيجة إيجاد البدائل لوسائل الحمل والإرضاع الصحي الشرعي السليم ، منها بنوك الحليب التي تكاد تكون من ضروريات الحياة للأطفال الخدج، فنشأت منذ ما يقارب ثلاثين عاماً في دول أوربا وهي فكرة مستحدثة مستخبثة غير معهودة، والذي من أهم أسبابها تخلي الأم عن طفلها الذي ولد سفاحاً أو لأسباب أخرى، فيعطى الحليب من مؤسسات مخصصة تقوم بجمع لبن الطبيعي من الأمهات اللاتي تبرّعن به، ومن ثم يقوم البنك ببيعه واستعماله في إرضاع الأطفال وهو محظور شرعا ذلك أن جمع الحليب من الأمهات وخلطه قد يؤدي إلى عدم معرفة منْ منَ النساء أرضعت منْ منَ الأطفال ، وهذا يؤدي إلى ضياع النسب واختلاطه حيث قد يتزوج الرجل أخته أو خالته بالرضاع وهو لا يعلم فهذا يحرم شرعا، ومنه استعارة الرحم والأم البديلة، ومنها التلقيح الصناعي من بنوك المني المختلطة بجميع صوره يكون محرما؛ لأن احتمال الخطأ كبير جداً بأن تأخذ عينة من شخص وتنسب لآخر.
وهكذا نجد أن النسويات والجندرة ورواسبها باب كبير وعظيم لضياع الانساب وتفكك الأسر بارتكاب الفواحش والزنا بل وشرعنتها، ابتداءً بالدول الغربية وانتهاءً بانتقالها للدول العربية والإسلامية.
فلابد من التنبه لخطرها قبل انتقالها وتغلغلها في المجتمع الإسلامي القويم كما حصل في الدول الغربية والأوربية حيث بلغ تفكك الأسر وضياع الأنساب مبلغه.
وإن لم يتبين خطر هذه المنظومة الخبيثة التي بدأت تتسلل لحصون المسلمين وتدك أبوابها فنحن مقبلين على دمار لبيوتنا من الداخل، وتعتبر اتفاقية سيداو التي صدقت عليها الجزائر وغيرها من الدول العربية بتحفظ طبعا، من أبرز الاتفاقيات التي تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة إذ تلزم المادة 20منها الدول الأطراف بتجسديها في قوانينها الوطنية مما نجم عنه تعديل قانون الأسرة الجزائري_ هذا ما نبّه لخطره الكاتب نقار بركاهم-
وإذا اكتشفنا الداء فلا بد أن نفتّش عن الدواء ونتخذ مئة سبيل لمحاربة الأعداء: وإذا كانت الحرب على الإسلام قديما فاليوم الحرب على الإنسانية عشواء، كيف مشى بهم الغواء إلى تغير أصل خلقتهم وماهي الأضرار الجسدية والنفسية التي تنشأ عن مثل هذه العلاقات الغير إنسانية ,إذا تأملنا في ملكوت السموات والأرض نجد أن الله خلق من كل شيء زوجين من النباتات والحيوانات فكيف ضللوا بمن كرمه الله تعالى ليغيروا أصل خلقته ويحرفوها عن مسار الفطرة السليمة، كل هذه الأفكار التنويرية والحداثية كما يسمونه هي خطر على الأمن القومي لأي أمة، لأنها تصنع جيلا أنانياً غير مستعد أن يضحي من أجل أسرته، فكيف يضحي من أجل أمته ووطنه، فتجده يبيع قضيته وبلاده من أجل منفعة أو متاع من الدنيا.
هذه الأجيال التي كثر التلاعب بعواطفها عبر الإعلام الفاسد الهدام، فلن تفهم معنى التضحية في سبيل الأمة والقضية فيكون أداة لانهيار الأمم والحضارات.
ختاما أوصي كل من تصدر لمقام الدعوة والسياسة والإصلاح الاجتماعي أن يبذلوا ما بوسعهم من طاقات وهمم ويسخروها لإنقاذ الأمم والإنسانية من خطر هؤلاء.
هبة عبد الباسط بكرو