كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي، في سطور
إعداد وتقديم
أ. غزوان سماك
_مؤلف الكتاب من روّاد الفكر في القرن العشرين، من اصل جزائري ، له عدة مؤلفات، منها الظاهرة القرآنية، وجهة العالم الإسلامي، فكرة افريقة الآسيوية، فكرة كمنويلث إسلامي، مشكلة الثقافة، تأملات، في مهبّ المعركة، ميلاد مجتمع، مذكّرات شاهد القرن، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، المسلم بين الرشاد والتيه، المسلم في عالم الاقتصاد، دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين، شروط النهضة، وغيرها الكثير،
وله افكار إصلاحية تتجلّى في مؤلّفاته،
وسوف نتعرف على بعضها من خلال دراستنا لكتاب “شروط النهضة” الذي نحن بصدد دراسته،
إنّ القارئ في كتاب شروط النهضة يجد أنّ ابن نبي يفتتح كتابه بالحديث عن التاريخ مقسّما إيّاه الى دور الابطال ودور السياسة والفكرة ، ودور الوثنية، ثم يتحدث عن المستقبل وأثر الفكرة الدينية في تكوين المستقبل، ثم يشرع بذكر شروط النهضة،حيث يحدّد شروط النهضة من خلال ثلاثيّته المشهورة” الإنسان، التراب، الوقت”، فيعتبر هذه الثلاثية رأس مال بداية النهضة،والعناصر الأوّلية لها،
-الشرط الاول: الإنسان، لقد بيّن ابن نبي أهميّة الإنسان في النّهضة، من خلال توجيهه في ثلاث نواحِ” توجيه الثقافة وتوجيه العمل وتوجيه رأس المال”، حتى تحقق وحدة الهدف، والمقصود بالتوجيه تجنّب الإسراف في الجهدوالوقت .
-اوّلا: توجيه الثقافة:
أ- التوجيه الأخلاقي: إنّ المقصود بالتوجيه الأخلاقي هو تاثير العقيدة الدينية في مجال السلوك البشري؛ إذ هي عنصر أساسي في الثقافة، من خلال تأصُّل غريزة الحياة في الجماعة، بحيث يستخدم هذه الغريزة ويهديها ويوظّفها بروح خلقية سامية، هذه الروح الخلقية منحة من السماء إلى الأرض، تأتيها مع نزول الدين، ومهمّتها في المجتمع ربط الأفراد بعضهم ببعض، ويرى أنّ الدين هو الأساس الاخلاقي الضروري لعمل النهضة، لانه منهح تغيير يوجِد من المتفرقات مايعمل على بناء النهضة.
ب- التوجيه السلوكي العملي: حيث يطلق ابن نبي على هذا المفهوم المنطق العملي، إنّ ابن نبي يرى أساس النهضة هو تمثيل العقيدة الإسلامية، وذلك بتحديدها من خلال كونها مصدراً للثقافة الإسلامية، بربطها بالمفاهيم المنطلقة من الأساس العقائدي وتحويلها الى منطق عملي، فإنّه في هذه الحالةنكون قد سرنا في الاتجاه الصحيح، فالمسلم لا تنقصه الفكرة بل ينقصه منطق العمل.
ج-توجيه العمل: ويقصد بذلك سير الجهود الجماعية على اختلاف شرائحها في اتجاه واحد، لكي يضع كل منهم في كل يوم لبنةجديدة في البناء.
ثانياً: توجيه رأس المال:
فالعالم الإسلامي غنيٌّ في مجاله المادي، ولكن ذلك لا يصنع نهضةً مالم يُوَجّه توجيهاً نابعاً من العقيدة المحرّكة التي تربط بين الفكر والعمل، فلابدّ من تحريك المال وتنشيطه، بتحويل الثروة المكدّسة إلى رأس مال متحرّك، وبذلك ينشط الفكر والعمل والحياة في البلاد.
*الشرط الثاني: التراب:
ليس المقصود دراسة خصائص التراب وطبيعته، ولكن دراسته من خلال قيمته الاجتماعية، فعندما يعلو شان الأمّة ترتفع قيمة التراب التي تعيش فوقه، فعلينا ان نعمل، ولن نستطيع ان ننقذ ذريّتنا القادمة الّا بالعمل الشاقّ والدؤوب، وعندما تتحقق تلك المعجزة بانتصارنا على أنفسنا وعلى أهوال الطبيعة؛ سندرك قيمة الرسالة التي ندبنا انفسنا لحملها، فالشعب الذي يُخضِعُ الترابَ ويمهّده لبناء حضارته لا يخشى نوائب الزمن.
* الشرط الثالث: الوقت:
يريد منا ابن نبي أن ندرك قيمة الوقت،فهو متاح لكل فرد في كل زمان ومكان غير أنّه في مجالٍ ما يصير ثروةً ، وفي مجال آخر يتحوّل عدماً، فالعالم الإسلامي يعرف شيئاً يسمّى الوقت الذي ينتهي الى العدم؛ لعدم ادراك معنى الوقت… فنحن في حاجة ملحّة الى توقيت دقيق، وخطوات واسعة لكي نعوّض تأخّرنا، ولا يحتاج ذلك إلى عناء كبير،وفي الوقت ذاته الذي يؤكد فيه مالك على أهمية عنصر الزمن في حركة النهضة؛ فإنه يحذّر من الاستغراق في العمل من أجل الانتاج، ونسيان الجوانب النفسية في حياتنا كما فعل الغرب الصناعي، فلا بدّ من إدخال العقيدة الإسلامية كعامل فعّال في المفهوم التغييري.
-ويختم كتابه بالحديث عن الاستعمار والشعوب المستعمرة،
حيث يقسّم الحديث الى اجزاءٍ ثلاثة، ” المعامل الاستعماري، ومعامل القابلية للاستعمار، ومشكلة التكيّف”،
إنّه يرى أنّ للاستعمار دور في يقظة الشعوب وانتباهها بعد غفلة، لانه خلع علينا بابنا وزعزع دارنا وسلب منا أشياء ثمينة.
على مبدأ الآية القرآنية” وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم” ،
ويرى انّ المعامل الاستعماري يخدع الضعفاء ويخلق في نفوسهم رهبةً ووهما ، ويشلّهم عن مواجهته بكل قوة، وإنّ هذا الوهم ليتعدّى أثره الى المستعمرين أنفسهم فيغريهم بالشعوب الضعيفة، لترجع تلك الشعوب الى العبودية والنوم.
-المعامل الثاني : معامل القابلية للاستعمار:
وهذا يعود الى باطن الفرد الذي يقبل على نفسه ان يكون مستعمراً،
إنّ الأمل في الحرية ينعدم ، اذا كان الانسان في داخله تقبّل لفكرة العبودية والتبعية ، وييتشهد بقول: ” اخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم”.
ويختم حديثه عن الاستعمار ببحث مشكلة التكيّف،
ويقصد هنا ، التأقلم مع المستعمر وتقليده في كل شيئ،
ويدعو الى إزالة التناقضات والمفارقات المنتشرة في مجتمعاتنا ، من خلال تخطيط ثقافة شاملة، يحملها الغني والفقير، والجاهل والعالم ، حتى يتم للانفس استقرارها وانسجامها مع مجتمعها، ذلك المجتمع الذي سوف يكون قد استوى على توازنه الجديد.
إعداد وتقديم غزوان سماك